أزمة تضرب الشحن البحري بالعالم.. !

أزمة تضرب الشحن البحري بالعالم.. !

تعددت مصائب قطاع الشحن البحري خلال الأشهر الماضية، فقد علقت سفينة عملاقة في قناة السويس وعطلت الملاحة لعدة أيام، وارتفعت كلفة الشحن البحري، وتكدست ترسانة من السفن قرب الموانئ في انتظار التفريغ أو التحميل، وأوقفت العديد من شركات النقل نشاطها بسبب فيروس كورونا.

وتقول صحيفة "إيكونوميست" (economist) البريطانية إن كل هذه العوامل جعلت قطاع الشحن البحري يشهد عام 2021 أزمة غير مسبوقة، حيث إن متوسط كلفة نقل حاوية كبيرة، طولها 40 قدما، تجاوز 10 آلاف دولار، وهذا يمثل أربعة أضعاف السعر العام الماضي.


وعلى سبيل المثال فإن إرسال هذه الحاوية من ميناء شنغهاي الصيني إلى نيويورك بالولايات المتحدة، كان العام قبل الماضي يكلف حوالي 2500 دولار، والآن وصلت الكلفة إلى 15 ألفا، أما الحصول على مكان لهذه الحاوية لنقلها خلال فترة قصيرة من الصين إلى الساحل الغربي الأميركي فإن كلفته تصل إلى 20 ألفا.

حلول يائسة

كل هذه التقلبات دفعت ببعض الشركات للجوء إلى حلول يائسة، حيث أن شركة "بيلوتون" (Peloton)، التي تصنع دراجات هوائية باهظة الثمن، لجأت إلى النقل الجوي، رغم أن كلفته كانت باهظة أصلا، وتضاعفت مطلع 2020، كما أن سلاسل محلات وول مارت وهوم ديبو الأميركيتين للبيع بالتجزئة قررتا تسيير رحلات بحرية خاصة بهما.

أما أسلوب استخدام سفن غير مناسبة فإنه تسبب بمخاطر كبيرة، حيث إن محاولة في يوليو/تموز الماضي لنقل حاويات، على متن سفينة مصممة لتحميل الفحم والحديد الخام، أدت لاختلال التوازن واضطرت السفينة للعودة بسرعة للميناء.

في نفس الوقت تزايد الاعتماد على القطار لنقل الحاويات عبر القارة الآسيوية، ولجأت بعض الشركات لنقل بضائعها عبر شاحنات من آسيا إلى أوروبا ليتم من هنالك شحنها عبر المحيط الأطلسي لتجنب الاكتظاظ في الموانئ الصينية.

وتشير الصحيفة إلى أن القطارات والطائرات والشاحنات تبقى حلولا محدودة الفاعلية، خاصة عندما يتعلق الأمر بنقل البضائع لمسافات طويلة عبر العالم، حيث إن سفن الشحن البحري تقوم بنقل ربع البضائع التي يتم تبادلها في العالم، وغالبا ما تجد الشركات نفسها أمام خيارين، إما دفع أسعار باهظة وتحمل فترات التأخير بالموانئ، أو عدم نقل البضائع أصلا.

وعلى مدى السنوات الماضية، واصل قطاع النقل البحري تزويد الأسواق العالمية بالبضائع، بعد أن أصبح مألوفا أن تمتلئ رفوف المحلات ببضائع قادمة من الناحية الأخرى من العالم، وهذا القطاع لم تكن الأضواء مسلطة عليه، باعتبار أن الشحن البحري كان رخيصا جدا ويتم بسلاسة.

في الوقت الحالي مع تزايد فترات التأخير وتزايد الأسعار، بدأ الشحن البحري يفقد سمعته كخيار موثوق ومناسب لكل الشركات. والأسوأ من ذلك أن أغلب الخبراء لا يقدمون توقعات متفائلة، فهم لا ينتظرون تحسنا في سرعة وكلفة الشحن البحري قبل العام المقبل، وهذا الوضع المتدهور حاليا يمكن أن يؤدي إلى إعادة هيكلة التجارة العالمية بشكل مختلف.


أزمة مستمرة

وحول هذه الأزمة، يرى ستيفن غوردن، الوسيط في مجال تجارة السفن، أن هذا القطاع عام 2019 كان يشهد توازنا بين العرض والطلب، وبعد تفشي فيروس كورونا، توقعت شركات النقل البحري انكماش حركة التجارة في العالم، وتم التخلي عن 11% من السفن التي كانت في الخدمة.

وفي الواقع ما حدث كان عكس التوقعات، حيث إن التجارة العالمية حافظت على نفس النسق، ثم بدأت تحقق انتعاشة كبيرة، خاصة بفضل المساعدات المالية التي حصل عليها الأميركيون والذين شرعوا مباشرة في إنفاقها.

ويرجح بعض الخبراء أن حالة النقل البحري في العالم لن تعود إلى وضعها الطبيعي قبل موعد العام الصيني الجديد، في فبراير/شباط، وهو الموسم الذي عادة ما تقل فيه الضغوط على الموانئ.

وحتى إذا عاد طلب المستهلكين الأميركيين إلى مستوياته الطبيعية، فإن الشركات حينها ستنكب على إعادة تعبئة مخازنها التي تم إفراغها بالكامل خلال الفترة الماضية، كما توجد مؤشرات على بداية ارتفاع الطلب على السلع في القارة الأوروبية أيضا، وهو ما ينبئ بتواصل أزمة الشحن البحري في العالم.

وسط هذه الأمواج المتلاطمة من الأزمات وضبابية الرؤية، يبقى الشيء الوحيد المؤكد هو أن هذا القطاع حقق أرباحا غير مسبوقة خلال هذه الأزمة.

وتبعا لذلك فإن هذه الشركات تتجه نحو التعاقد من أجل شراء المزيد من سفن الشحن البحري، إلا أن تجهيز هذه الطلبيات يمكن أن يستغرق 2-3 سنوات، خاصة مع تناقص عدد أحواض صنع السفن في العالم مقارنة بالسنوات الماضية.

ويجدر التنبيه إلى أن قطاع الشحن البحري مسؤول عن 2.7% من الانبعاثات الكربونية في العالم، وهو يواجه ضغوطا كبيرة للانتقال إلى الطاقة النظيفة، أو على الأقل تقليل التلوث الذي يسببه في الهواء والبحر، وينتظر أن تواجه هذه شركات الشحن البحري قيودا وإجراءات حكومية صارمة، ستدخل حيز التنفيذ بداية من 2023.

docx file PDF